بسم الله الرّحمن الرّحيم و بعد، لقد انتظرت أن يكون من يجيب على التّساؤل أستاذا في المادّة و نظرا لأنّ المنتدى جديد وأنّ أستاذ الفيزياء لديه بعض الظّروف القاهرة الّتي منعته من الرّد، ارتأيت أن أجيب بدلا عنه و بشكل عام يخصّ جميع المواد.
فلتعلم إذن السّائلة الكريمة بأنّ التّحصيل لا يكون إلاّ بأدواته و الّتي يجب استغلالها على أكمل وجه. و أرى بأنّ أوّل هذه الأدوات السّمع. فيجب على المتعلّم أن يكون مستمعا جيّدا لأنّه يفترض به الجهل بما هو بصدده و لن تتأتّى له معرفة ما يجهله ما لم يكن ذا سمع جيّد. فالطّفل الصّغير لم يكن ليتكلّم لولا سماعه كلام غيره، كما أنّ الصّمّ البكم غالبا ما تكون عاهتهم انعدام حاسّة السّمع لديهم. و بالتّالي يحرمون من نعمة الكلام الّذي هو في حدّ ذاته شيء نتعلّمه.
في المرتبة الثّنية يأتي النّطق الّذي لولاه لما تحصّلنا على شيء. فنحن نأخذ العلم عن المعلّم و لا يكون ذلك إلاّ عن طريق نطقه و شرحه لمادّته التعليمية. ثمّ دورنا في ممارسة ما سمعناه منه نطقا حتّى نتمكّن من هذه المادّة. و أنا إذ أتكلّم عن النّطق و السّمع فلا يمكن لي فصلهما عن البصر الّذي أراه ثالثهما. فبه نستطيع تأطير ما سمعنا و ما نطقنا و ضبط الاختلاف بينهما و تمييزه. ثمّتأتي رابع هذه الأدوات و هي الكتابة الّتي تقيّد ما تعلّمناه كما جاء في الحكمة:" العلم صيد و الكتابة قيد." فنحن إذ نقيّد العلم بالكتابة فهذا للرّجوع إليه في حالة نسياننا له.
و لا يسعني إلاّ أن أذكّر بأنّ كلّ هذه الأدوات لا بدّ من إحاطتها بالعناية اللاّزمة و التّركيز الكبير.
فلا يجوز لنا أيّتها السّائلة الكريمة أن نتحدّث عن الفهم ما لم نكن على دراية بكيفية التّحصيل و الّذي أدواته الأساسية ما ذكر سالفا و هناك أخرى كثيرة.
و بما أنّ هناك متعلّم فهناك معلّم و الفهم يكون على يديه و بسؤاله إذا تعذّر علينا استيعاب دروسنا. فهو من يعرف مادّته و كيفية إيصالها و إيضاحها. فلا غنى عنه مهما كان. و لن يفلح أبدا من استهان بمعلّمه أو تهيّأ له أنّه أكثر تمكّنا منه. ربّما كان ذلك في بعض المعلومات فجلّ من لديه العلم بكلّ شيء. كما أنّ التّلميذ يستطيع أن يفهم من أصدقائه و لهذا فلا يبخل بأن يعيرهم اهتمامه فيفيدهم و يستفيد منهم. لا أنسى مواكبة سير الدّروس و مراجعتها في حينها لا أثناء فترة الاختبارات فحسب و العودة إليها من حين لآخر مع الإكثار من التّمارين دون أن ننسى أن نمنح أنفسنا فترة كافية من الرّاحة وإلاّ لما استطعنا فعل شيء فلا بدّ من تنظيم وقتنا بين العمل و الرّاحة.
و فيما يخصّ مادّة الفيزياء فمعرفة القوانين و معرفة كيفية صياغتها و الظّروف الّتي صيغت فيها لممّا يساعد على الفهم الجيّد.
و لا بدّ كذلك للمتعلّم من إيجاد ما يساعده على ذلك إذ أنّه أدرى النّاس بنفسه و بالتّالي بما يكون عونا له و كيف يكون كذلك.
و لا يفوتني أن أذكّركم كذلك بأنّ كلّ ما تقدّم من كلام لا يجدي نفعا ما لم نتّقي الله في أنفسنا و فيمن يلوننا و لتعلموا أنّ العلم فضل من الله يهبه لمن يشاء من عباده. و لقد قال الشّافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ........... فأرشدني إلى ترك المعاصي
فإنّ الحفظ فضل من إلهي .............. و فضل الله لا يعطى لعاصي
